“ما تبقى”: فن يتصدى لتسليع الأرض
تصديّاً لتسليع الأرض في الاقتصاد اللبناني، افتتح معرض “ما تبقّى” من مساحات بيئة غير مبنيّة، وذلك في مركز “بيت بيروت”، والمعرض من تصميم وتنظيم المهندسة اللبنانية هلا يونس.
المشروع افتتح الخميس الفائت، وهو سبق أن أنجز بالتعاون مع مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني، مُسلطاً الضوء على وادي نهر بيروت، ويتضمن خريطة ثلاثيّة الأبعاد، وصوراً جوّيةً، وأعمالاً فوتوغرافية.
ويتوسط المعرض خريطة جغرافية ضوئية ثلاثية الأبعاد، تتحدث عن إشكالية تنظيم الأراضي في وادي نهر بيروت، وتفيد يونس في حديث مع “ وكالة أنباء المحورالثقافية أنه “تم اختيار 5 فنانين مصوِّرين وطُلب منهم تقديم وجهات نظر حول موضوع ما تبقى من منطقة نهر بيروت”.
الفنانون المشاركون هم: طلال خوري، وقد استلهم في عمله عذابات اللبنانيين في مجرى النهر، مطلقاً على عمله وصف “مياه النهر المعذبة من النبع وحتى المصب”، وكأنه يريد أن يسقط صورة النهر على حياة اللبنانيين التي ارتهنت للأزمات من البداية للنهاية.
وعرض غريغوري بجقيان “شظايا من خط القمة الذي يحيط بنهر بيروت”، كما عرضت يافا ساودرغيته “محمية الحديقة الوطنية لنهر بيروت”، وقدمت هدى قساطلي “حدائق خاصة وحدائق مقدسة”، أما كاثرين كاتاروزّا، فخصت جناحها بـــ “الخيوط الدقيقة بيني وبين النهر”.
أما جيلبير الحاج فقدم في جناحه مجموعة من أعماله الفوتوغرافية مطلقاً عليها اسم “استيقظت ذات يوم لأجد نفسي لبنانياً”، وفي العنوان تعبير عن الحالة اللبنانية غير المفهومة لكثرة تطوراتها وتحولاتها ومشهديتها القلقة.
الجدير بالذكر أن المعرض أقيم لمناسبة مرور 100 عام على انتهاء المجاعة في لبنان 1918، وشغل الجناح اللبناني في المعرض العالمي للعمارة في البندقية سنة 2018، وبحسب يونس فقد “جرى العرض الأول في إيطاليا تمهيداً لعرضه في لبنان في ظروف أفضل”.
الكثافة السكانيّة التي استقر الوضع عليها في المدن، خصوصاً في بيروت وضواحيها وامتداداتها، نتجت، بنظر يونس، عن الحداثة وتطورات الاقتصاد العالمي، فتفرغت الأرياف من السكان لأننا لم نحدّث الزراعة، فلم تعد منافِسة للزراعات العالمية، ويجب أن نعيد تحديثها بقطاعات منتجة غير قطاع البناء.
من جهة أخرى، تربط يونس تفريغ الريف من سكانه بالهجرة اللبنانية الأولى بدءاً من النصف الثاني من القرن الــ 19، عندما ضربت المجاعة الريف لأن الزراعة كانت موجهة للحرير، وللاقتصاد العالمي، ولم تعد تعطي اكتفاء ذاتياً للأرياف.
أمّا رفع وتيرة الاستثمار العقاري تأميناً لمساكن للوافدين الكثر، ناهيك عن المهاجرين، جعل المنطقة المعروفة تاريخياً ب “الجبل اللبناني” خاصة، والعديد من المناطق اللبنانية الأخرى أيضاً، مغروزة بالأبنية الباطونية التي تآكلت الأرض تحتها، ولم يبق منها ما هو صالح كأرضٍ إلا مساحات قليلة.
وتتابع يونس حول هذه الإشكالية التي يعالجها المعرض، وتقول: “لم تبقَ أرضٌ للبناء عليها، وشروط تأمين لقمتنا من الأرض غير متوافرة، والأسباب كثيرة ومعروفة، وليست محصورة بالفساد، وضيق نظر كثيرين من السياسيين، وقلة أخلاقهم. المشكلة هي في ضعف الوعي لأهمية الأرض، والبيئة، وعدم فهم أهمية التواصل مع الطبيعة، وكيفيّة ذلك”، وتضيف “ألا ننتج، وأن تصبح الأرض كلها مرهونة للمضاربة العقارية، هذا خطير. الأرض ليست مخصّصة للبيع، والعلاقة بها ثقافة تعني أنها طبيعتك وأرضك وأهلك”.
وتذكّر يونس بما تعرض لبنان له من مجاعة في الحرب العالمية الأولى، وتتخذ من المناسبة عبرة للحفاظ على الأرض، لذلك قرنت المعرض أيضا بذكرى انتهاء المجاعة في لبنان سنة 1918.
وللمركز الذي اتُّخذ مقراً للمعرض موقع عزيز لدى يونس، فهو المكان الذي شغفت به، لما يحمله من تراث بنياني جميل، وهندسة راقية على يد المهندس المعروف “أفتيموس”، ولما تناوله من جدل حول إزالته أو إبقائه، فهو يقع على خط التماس في “السوديكو” الشهيرة إبان الحرب الأهلية عام 1975، وكان مركزاً للقناصة، فلحقت به أضرار جمّة، لكن مظهره ظلّ يحمل معاني الحرب الأهلية التي يرفض كثيرون العودة لذكرها، بينما ترى يونس أن “التذكير بها ضروري لعل في ذلك عبرة للبنانيين لوقف الحرب بين ظهرانيهم، ولعلهم يتعلمون من دروس الماضي”، كما تقول.
وتضيف: “اللبناني ينسى تاريخه وأحداثه، ولذلك لا يتردد في تكرارها، وجدل إزالة البيت تمحور حول هذه النقطة”.
والمهم في اختيار الموقع بحسب يونس، أنه “أتاح تخصيص غرفةٍ – جناحاً لكل فنان- وهي مساحة فضفاضة، مما جعل رسالة المعرض أكثر سهولةً للوصول إلى الناس، بينما كانت المساحة المتاحة في البندقية ضيّقة على العرض”.
تحت عنوان “ما تبقّى” يشارك فنانون لبنانيون في معرض جماعي يتصدى لتسليع الأرض في الاقتصاد اللبناني، ويقام المعرض بمناسبة مرور 100 عام على ذكرى المجاعة في لبنان 1918.