لبنان

لبنان: “نابو” يستضيف “مشهد الفن التشكيلي” زمن الانتداب

  • لوحة حملة الجنرال غورو على دمشق للفرنسي ريمون دو لا نيزيير

“مشهد الفن التشكيلي في لبنان 1920-1948” هو عنوان المعرض الفني الجاري في “متحف نابو” شمال بيروت، مؤرّخاً بالفن لمرحلة الانتداب الفرنسي للبنان من جوانبها السياسية والاجتماعية والثقافية.

افتتح المعرض السبت الفائت في مقر المتحف في منطقة الهري، وضم حشداً ضخماً من الأعمال الفنية التي انتجتها المرحلة، وبرز فيها كبار الفنيين اللبنانيين، ونمت فيها المدرسة الانطباعية اللبنانية، تعبيراً عن انطلاق لبنان ككيان حديث على يد الفرنسيين، وتنامي تطوراته لتثبيت التأسيس على ثقافة وإيديولوجيا تخدم تشكيلته.

وشمل المعرض لوحات للفنانين اللبنانيين المعروفين، منهم أب الفن التشكيلي الحديث داوود قرم، وعدد من تلامذته أمثال حبيب سرور، وخليل الصليبي، وجبران خليل جبران، وسواهم، إضافة إلى جيل المدرسة الانطباعية اللبنانية أمثال مصطفى فروخ، وعمر الأنسي، وصليبا الدويهي، وقيصر الجميل، وآخرين.

ومن الجديد الذي يقدمه المعرض مشاركة أعمال العديد من الفنانين الأجانب الذين أقبلوا على الرسم في لبنان، موثقين بعضاً من تاريخه الحديث ومواقعه السياحية. 

بعض من الوقائع المتصلة بنشوء الكيان، نلمسه عند مدخل المعرض حيث توثيق للمرحلة الفرنسية، وفي جناحها أعمال لفنانين فرنسيين، أسماؤهم غير متداولَة في الإطار الفني الرائج في لبنان، لكن أعمالهم ساهمت إلى جانب بقية الأعمال في التأسيس للخلفية الثقافية اللبنانية المستجدة. 

  • “البدوية” لحبيب سرور
  • حجر الحبلى في بعلبك لداود قرم
    حجر الحبلى في بعلبك لداود قرم

في هذا الجناح، تظهر جداريات ضخمة، منها للأرز، ومنها للجنرال “غورو”، القائد العسكري الفرنسي مترئسا حملة عسكرية من بيروت نحو دمشق، تأكيدا على الدور الذي أعطي للبنان كنقطة ارتكاز، وانطلاق استعمارية نحو الجوار العربي.

في تصريح لــ “ وكالة أنباء المحورالثقافية” يقول جواد عدرة، مؤسس متحف نابو، “نحن كمتحف نشتغل على وقائع الذاكرة، والوقائع، والتاريخ، وكيف يعبر الفن عنها، بشكلها الفني، والجميل، وأحياناً بشكل جارح، فمثلاً، نشاهد هنا لوحة ضخمة للمندوب السامي الجنرال غورو يحتل دمشق، وهو جاء لبنان طارحاً مشروع لبنان الكبير، وكان هناك ناس معه، وآخرون ضده”.

عدرة العروبي، كما يظهر من موقفه، يشعر بجرح في الكرامة بسبب ظهور ذلك الدور لغورو، لذلك يستدرك أنه “عندنا صور لثلاث قيادات كانوا ضد غورو، واستشهد أحدهم في معركة “ميسلون”، وهو يوسف العظمة، وهناك أيضا سلطان باشا الأطرش، وابراهيم هنانو، ونشاهد صور اسكتشات لهم في المعرض لأنه كما يبدو نحن لا نمجد أبطالنا”. 

لوحة حملة الجنرال غورو تعود للفنان الفرنسي ريمون دو لا نيزيير، والحدث عام 1920، في أوج مرحلة الغزو الاستعماري للشرق عقب بسط سيطرته نتاجاً لانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، واللوحة زيت على قماش، أبعادها 350 – 150 سم.

ثم لوحة عين المريسة لجورج سير -زيتية على مازونيت، 95-200 سم- و”سير” هو الذي أقام في عين المريسة، مشغوفاً بالطبيعة اللبنانية، وكان “سير”، وآخرون أمثاله، ممن وثّقوا للمرحلة في لوحاتهم، وأعمالهم الفنية، ودرّسوا الرسم، وأقاموا في بيروت.

ومن اللوحات الجديدة على مسرح المعارض في لبنان، مرفأ بيروت لمدير بنك سوريا ولبنان في حينه، بيار لوكوك دو لا فريمونديير الذي عشق المناظر الطبيعية وجسدها في صوره.

من الجناح الفرنسي، لوحة لـــ “كادير” وهو فنان فرنسي مغمور، تجسد صورة لغورو أيضاً، إضافة إلى لوحات لمختلف فناني تلك الحقبة منها لسيدة أرستقراطية بيروتية لخليل صليبي، وطاحونة وبدوية لحبيب سرور، ولوحة “المتأملة” لصبيّة حالمة لجبران خليل جبران، وحجر الحبلى لداود قرم.

وتلفت جدارية “أرز لبنان” لفيليب موراني، الاسم الذي نتعرف عليه حديثاً، وعمل على رسومات واسعة الاختيار، ولعب دوراً في نقل الثقافة الفنية بين الشرق والغرب. “أرز لبنان” رسمها موراني سنة 1931، زيت على قماش، أبعادها 340-270 سم، تضخيم يبغي تكريس الشعار الجديد الذي اختير رمزاً للوطن الوليد.

كما لفتت جداريّتان توأمان لبلانش لوهياك عمّون، بعنوان “المعاهدات الفينيقية”، زيت على قماش، 100-300 سم لكل منهما، وهما تثيران جدلاً حول ادّعاء فينيقيّة الكيان من قبل البعض، ورفضه من البعض الآخر، ولوحات لماري حدّاد؛ وعمّون وحدّاد من الفنانات القلائل في عصرهما.

وفي جناح المدرسة الانطباعية اللبنانية، تجلت أعمال للطبيعة لعمر الأنسي، ومصطفى فروخ لمدينتهما بيروت، وأخرى للدويهي، والصليبي، وبينها العديد من رسومات العراة تأكيداً على ضرورة الانتقال الثقافي في الوطن المُحدَث من المرحلة التقليدية المتحفظة، إلى المرحلة الأوروبية الأكثر تفلّتاً من الضوابط.  

وتتعدد البورتريهات لمختلف فناني تلك الحقبة، منها البدويّة لسرور، أما لقرم، وسرور، والجميل، والدويهي، وفروخ فبورتريهات عاكسة مزاجاً بورجوازياً وافداً من الغرب، لسيّدات وأسياد الصالونات، والبيوت البيروتية التي نمت، وانتشرت ابتداء من مطلع القرن بالتوازي مع الدور الذي لعبه فندق صوفر الكبير (1892) الذي استضاف لقاءات التأسيس للكيان، لعائلات أرستقراطية بيروتية، مع السفارة الفرنسية التي افتتحت أول مقر لها في صوفر، وكان الموقعان متقاربَين.

مروحة اللوحات العائدة لمرحلة الانتداب واسعة بعناصرها الشيّقة، وبما قدمته من جديد غير مسبوق على جدران الغاليريهات.

بالتوازي مع إقامة المعرض، نشرت الناقدة الفنية الدكتورة مهى عزيزة سلطان كتاباً بعنوان “الفنّ في لبنان من الانتداب الفرنسي الى الاستقلال: 1920- 1943″، وجرى توقيعه في افتتاح المعرض، ويقدم الكتاب بانوراما للدور الذي لعبه الفن التشكيلي، وما يبرزه من تحولات عميقة جرت في المجتمع منذ نشأة الكيان تأسيساً سنة 1920، والإشكاليات الجدليّة المرافقة لتشكيل لبنان، وانتمائه.  

  • من جناح البترون
    من جناح البترون

كما خصصت الطبقة الثانية من المتحف لمدينة البترون ارتكازاً على أرشيف صور بالأسود والأبيض لمصوّر فني بترونيّ اشتهر في عصره أواسط القرن الماضي وهو اميل بولس (1923 – 2013)، وأقيمت معارض لأرشيفه الذي وثّق حياة مدينته الاجتماعية، ومواقعها، ومعالمها، ومدارسها، واحتفالاتها، وصيادييّها، وكل ما فيها.

ويروي كتيّب مواكب للمعرض أن الأعمال الفوتوغرافيّة هي نتاج ما تراكم في استوديو بولس من “نيغاتيفات”، لحقها مع مرور الزمن الكثير من التلف، فجرى ترميمها، وطبعها، فشكّلت ذاكرةً حيّةً وغنيّة للمدينة، وأُقيم معرضان لها بين عامي 2012 (عام قبل رحيل الفنان)، و2017، ضمّ كلٌ منهما زهاء ثمانية آلاف صورة. 

ويقول عدرة  عن معرض الصور القديمة لمنطقة البترون إنه “يعبّر عن قصة النفق، وكيف كان الشاطيء، وكيف تغيّرت جغرافيّة الطبيعة وتحولت نحو الأسوأ بعد حركة البناء التي انتشرت، وفيه الكثير الحي عن البترون”، خاتماً ب”أن ما يهمنا هو تقديم الفن كطريقة راقية للحوار، والنّقاش بيننا دون أن يكون هناك صدامات ومعارك”. 

“متحف نابو” شمالي بيروت يستضيف معرضاً يؤرخ مرحلة الانتداب الفرنسي على لبنان فنياً.. ماذا في التفاصيل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى