لبنان

كباش غير مسبوق بين رئيس حكومة لبنان وحزب الله.. فماذا بعد؟

  • كباش غير مسبوق بين رئيس حكومة لبنان وحزب الله.. فماذا بعد؟

لم يسبق أن أصدر رئيس حكومة في لبنان بياناً حاد اللهجة ضد حزب الله، كما فعل الرئيس نجيب ميقاتي بعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الذكرى الثانية لاستشهاد الفريق قاسم سليماني والشهيد أبو مهدي المهندس ورفاقهما، في غارة أميركية مطلع العام 2020، بعد خروجهم من مطار بغداد الدولي.

صحيحٌ أنّ طهران ردّت على عملية الاغتيال بعد وقتٍ قصير من خلال استهداف قاعدة عين الأسد العسكرية في العراق، إلا أنّ الحساب لا يزال مفتوحاً بين محور المقاومة وقتلة سليماني والمهندس ورفاقهما، على ما تُجمع الكلمات التي ألقيت في ذكرى استشهادهما.

أما في لبنان فالأمور تدرّجت إلى مواجهةٍ سياسية غير مسبوقة بين رئيس الحكومة وحزب الله، بعد أن أصدر ميقاتي بياناً شكك فيه في انتماء حزب الله، وهو ما اعتبره الحزب تجاوزاً للخطوط الحمر، فردّ عليه بكلامٍ حاد لوضع الأمور في نصابها.

بيد أنّ الأزمة الراهنة التي تُضاف إلى أزمات اقتصادية ومالية وسياسية جمّة في بلدٍ ينوء تحت أسوأ أزمةٍ في تاريخه، مرشحة للتفاقم، مع اصطفافٍ تقليدي في البلاد بين داعمي المقاومة وخصومها.

” بيروت أُحرجت منذ بدء الحرب على سوريا… ولا تزال”

عندما لفحت رياح الفوضى العالم العربي بدءاً من ليبيا مروراً بمصر وصولاً إلى سوريا، وقفت حكومة ميقاتي الأولى حينها حائرةً في اتخاذ موقف حول ما يحدث على حدود لبنان؛ فميقاتي حينها كان رئيس حكومة مدعوم من “قوى 8 آذار” و”التيار الوطني الحر” بعد إطاحة حكومة الرئيس سعد الحريري في 11 كانون الثاني / يناير 2011 واختيار ميقاتي خلفاً له.

بعد شهرين على تأليف حكومة ميقاتي اندلعت المواجهات في سوريا، واختارت الحكومة حينها ما عرف بسياسة النأي بالنفس عن الأحداث السورية، وهو أمرٌ ابتدعه حينها ميقاتي وقبل به الأطراف الداعمون للحكومة، وفي مقدمهم رئيس البرلمان نبيه بري، وحزب الله، والتيار الوطني الحر.

إلا أنّ اشتداد الأزمة في سوريا، مع اتضاح حجم الهجمة الغربية التركية ومعهما دول خليجية في مقدمها السعودية والإمارات وقطر ضد دمشق، زاد تعقيد الأمور في لبنان إلى أنّ استقالت حكومة ميقاتي في 23 آذار/ مارس عام 2013 ودخلت البلاد في فراغٍ حكومي استمرّ نحو عامٍ كامل، إلى أن تألّفت حكومة تمام سلام في منتصف شباط/ فبراير عام 2014.

تأليف حكومة سلام بعد 11 شهراً على تكليفه تزامن مع بدء استهداف المجموعات الإرهابية المدعومة خليجياً للبنان وزرع الإرهاب والموت في أكثر من منطقة لبنانية، ولا سيما في ضاحية بيروت الجنوبية والبقاع، مع اتساع نفوذ الجماعات التكفيرية وسيطرتها على معظم الجرود على الحدود اللبنانية السورية وتمدّدها إلى بلدة عرسال التي أضحت لاحقاً أشبه بإمارة لـ”داعش” و”النصرة”.

كل ذلك تزامن مع قرار غير مسبوق لمجلس التعاون الخليجي الذي أعلن في مطلع آذار/ مارس عام 2016 أن حزب الله “منظمة إرهابية”، وفق ما أعلنت دول مجلس التعاون في بيانٍ رسمي للأمانة العامة، مؤكدةً أنها “ستتخذ في شأنه الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرارها وفق القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب”.

ذلك القرار أحرج حكومة سلام، وحاول الرجل تدوير الزوايا والابتعاد عن الصراع الدائر في المنطقة، ونجحت إلى حدٍ كبير في استيعاب الاندفاعه الخليجية بسبب حساسية الوضع الداخلي، ولا سيما أنّ حزب الله طرفٌ سياسي أساسي وشريكٌ في الحكومة، ولديه رابع أكبر كتلة نيابية في البرلمان اللبناني، ويتمتع بشعبيةٍ كبيرة في البلاد.

وسارت حكومة سلام بين الألغام، ولا سيما أنّها تولّت صلاحيات الرئاسة لسنتين ونصف سنة، بعد تعذّر الاتفاق على رئيس للجمهورية، إلى أن انتخب العماد ميشال عون رئيساً للبلاد في 31 تشرين الأول/أكتوبر عام 2016.

لم يعرف عهد عون الاستقرار، واتخذ الرجل موقفاً واضحاً بالانحياز إلى الشرعية السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد، وطالب المجتمع الدولي بالعمل على إعادة النازحين السوريين الذين تدفقوا بمئات الآلاف إلى لبنان، ولكن حسابات الغرب ومعه دول خليجية حالت دون إعادة النازحين، ما فاقم الأزمات في لبنان.

كل ذلك كان يجري والحكومات المتعاقبة في عهد عون، ولا سيما حكومة سعد الحريري، كانت تهادن حزب الله، على الرغم من عدم رضاها عن مشاركته في صدّ العدوان عن سوريا والعراق.

لكن لم تصل الأمور بين رؤساء الحكومات وحزب الله إلى ما وصلت إليه في ظل حكومة ميقاتي المعطّلة منذ تشرين الأول/أكتوبر عام 2021 بسبب اعتراض رئيس البرلمان ومعه حزب الله على تسييس التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وإعلان الوزراء المقرّبين منهما مقاطعتهما جلسات الحكومة، ما زاد من تفاقم الأزمات في البلاد.

الرياض تفجّر أزمة جديدة

بيد أنّ أزمةً جديدة فجرّتها الرياض مع بيروت متذرعة بمواقف للإعلامي جورج قرداحي قبل توزيره، يصف فيها الحرب على اليمن بـ”العبثية” ويدافع فيها عن حركة أنصار الله اليمنية. تلك المواقف التي أعلنها قرداحي مطلع آب/أغسطس 2021 استغلتها الرياض، وسحبت مع الإمارات والكويت والبحرين السفراء من بيروت، وطردت السفراء اللبنانيين من العواصم الخليجية الأربع.

وأخضغت الرياض بيروت لسلسلةٍ شروط، وكانت منها استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي بعد أن سبقه إلى ذلك وزير الخارجية شربل وهبي على خلفيّة سجالٍ مع صحافي سعودي أهان رئيس لبنان، ولكن بيروت خضعت في كلتا الحالتين لشروط السعودية من دون أن تغيّر الرياض قيد أنملة من مواقفها، وأبقت حصارها على البلاد، مانعةً الاستيراد من بلاد تنوء تحت أعباء الأزمات الاقتصادية.

أما موقف ميقاتي الأخير ومن ثمّ رد حزب الله عليه، فيُنذران بأزمةٍ جديدة، ولا سيما أنّ ميقاتي لا يزال ينتظر دعوةً لزيارة السعودية، وهو علّق آمالاً كبيرة على الاتصال الثلاثي الذي جرى العام الفائت بينه وبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وراح يشيع في أوساطه أنّ زيارته للرياض باتت قريبة.

لكن كل ذلك ظلّ في إطار التمنيات، وعندها سارع ميقاتي إلى تسجيل مواقف ضد المقاومة، متوهّماً أنّ ذلك سيفتح أبواب السعودية أمامه، وخاصة أنه يطمح إلى وراثة الحريرية السياسية، بعد أن أوصدت الرياض أبوابها في وجه الحريري.

في لبنان الأمور تدرّجت إلى مواجهة سياسية غير مسبوقة بين رئيس الحكومة وحزب الله، بعد أن أصدر ميقاتي بياناً شكك فيه في انتماء حزب الله، وهو ما اعتبره الحزب تجاوزاً للخطوط الحمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى